رجال الدين وخلوة مجدل شمس في واد والمجتمع في وادٍ آخر - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

رجال الدين وخلوة مجدل شمس في واد والمجتمع في وادٍ آخر فتعالوا لكلمة سواء
وهيب أيوب - 22\08\2008
لقد دفعني الاعتصام الذي نفّذه عدد من الشابات والشباب في ساحة البلدة يوم الخميس الفائت 21 \ 8 \ 2008 ، مُطالبين بإشراكهم بشؤون المجتمع وقراراته، وهذا مطلب حق لا غبار عليه. خاصة وأنه في مساء ذات اليوم اتصل بي أحد المكلّفين من رجال الدين بإبلاغ أصحاب المحلات بضرورة الامتناع عن بيع "البيرة" بقرار من الخلوة مُهددين بالحرم الديني والاجتماعي لكل من لا يلتزم بالقرار. ولن أقوم هنا بسرد ما دار بيننا من حديث بالتفصيل، إلا أنني قلتُ له بأن طريقتكم بمعالجة الأمور خاطئة، وهي تحتاج لنقاش مع باقي شرائح المجتمع. ونوّهت له أن جميع أولاده يشربون البيرة وهو غير قادر على نهيهم ولا يستطيع. فلم يعطني جواباً شافياً.
يقولون في المثل العامي: "إذا أردتَ أن تُطاع فاطلب المُستطاع"
إن قرارات المنع والردع واستخدام الحرم الديني والاجتماعي في أمور يمكن تنظيمها وتهذيبها ولكن لا يمكن منعها... سيفقد هذا من صلاحية واحترام وقوة هذا "السلاح" الذي بات يُستخدم بمكانه وغير مكانه، بجدوى وغير جدوى، بحق وبغير وجه حق. ثم يعود بالنهاية بنتائج عكسية لا يرضاها الناس ولا أصحاب القرارات.
لا يمكن لأي رجل أو شاب عاقل أن يرضى بإشاعة الفوضى أو السكر والعربدة بالشوارع أو رمي الزجاجات الفارغة بالأماكن العامة أو بيع تلك المشروبات لمن هم تحت السن القانوني، تلك الأمور نرفضها جميعاً ونحن على استعداد للمساهمة بتنظيمها والتنبيه عليه لأنها أصلاً ممنوعة قانونياً عدا عن كونها أولاً مرفوضة أخلاقياً وتربوياً.
إلاّ أن منعها بقرار، فهذا سيدفع بشبابنا إلى "كريات شمونه" ليشتروا ويشربونها بالسيارات أثناء القيادة وهذا سيجعل الأمر أكثر خطورة وسيزيد الطين بلة. فما عسانا نكون قد فعلنا؟!
وهنا وجدت نفسي مُضطراً لإعادة طرح الأمور ومناقشتها على صفحات "النِت" وعلى بساط أحمدي كما يقولون، علّنا نصل إلى نتيجة. لأن الذي يحصل الآن من طريقة في معالجة الأمور واتخاذ القرارات من قبل رجال الدين تجاه شرائح المجتمع الأخرى لن يُسهِم إلا بمزيد من شرذمة المجتمع وتعميق الشرخ بين رجال الدين وباقي المجتمع. ولا أعتقد أن هذا هو هدف من يتّخذون القرارات ويسعون إلى تنفيذها بالتهديد والوعيد بالمقاطعة والحرم الديني، وربما يكونون مدفوعين بالنوايا الحسنة لظنّهم أنهم بهذه الطريقة يحافظون على المجتمع، لكن النوايا الحسنة لم تعد تكفي لحل مشاكل المجتمع بطريقة ارتجالية غير مدروسة لن تؤدي إلا لنتائج عكسية تماماً.
وكما تعلمون فهذا الموضوع ليس وليد الأمس، فقد كان هناك جولة سابقة قبل عدة سنوات لذات الموضوع ثم باءت بالفشل، وكنت حينها، عندما زارني بعض المشايخ المحترمون في مكان عملي، قد قدّمت لهم، بعد مناقشة مُستفيضة، عدة اقتراحات أهمها تشكيل لجنة مُشتركة من الشباب ورجال الدين لمناقشة وحل أي مشكلة تواجه مجتمعنا والتفاعل مع من يهمهم الأمر من أجيالنا الشابة لتمكننا من الوصول إلى نتائج مُجدية. رحّبوا كثيراً باقتراحاتي ولكن لم يحصل شيء على أرض الواقع، فعادوا لتكرار نفس الأساليب والطرق السابقة في التعامل مع باقي المجتمع بفوقية ودون أن يحسبوا للآخرين، والذين تُتّخذ القرارات بحقهم، أي حساب.
وأنا هنا أسألكم بكل صراحة: أنتم كرجال دين ومنذ عدة سنوات تقومون بتكرار ذات القرارات دون جدوى تُذكَر على أرض الواقع ودون تحقيق ما تصبون إليه، ألا يحتاج هذا منكم لإعادة مراجعة أنفسكم بكيفية معالجة الأمور!؟
ولنبدأ بقرار منع الفتيات من حقهن في قيادة السيارة، بحيث تشترطون على أهل العروسين تمزيق رخصة القيادة للعروس أمامكم... ربما هذا يرضيكم من الناحية الشكلية ولكن واقعياً تقوم العروس باستعادة رخصتها الأصلية وتعود لقيادة السيارة... ويا دار ما دخلك شر. ولا يتضرّر من تلك القرارات إلاّ بعض المغلوبين على أمرهم ممن سُلّط عليهم الحرم الديني فيخضعون خوفاً لا قناعة.
بعض النساء والفتيات في مجتمعنا هن من يُعِلْنَ أُسرهن ويصرفن عليهم ويتكفّلن بنقلهم بالسيارة سواء للمراكز الطبية أو غيرها من ضرورات الحياة ومتطلباتها، بينما الشباب والرجال في أعمالهم والبحث عن أرزاقهم في ظروف باتت فيها الحياة المعيشية صعبة ومنهكة. عدا عن كون المرأة في مجتمعنا باتت تقتسم مع الرجل كل هموم الأسرة والحياة. وهذا هو دورها الطبيعي، فالمرأة خُلقت حرّة كالرجل وهي المسؤولة عن نفسها وتصرفاتها.
ثانياً: تحريم الأعراس والقاعات تحت طائلة العقاب بالحرم الديني حتى للذين ليس لهم علاقة مباشرة بالموضوع، وترضخ الأغلبية ممن يجبرون خوفاً لا قناعة أيضاً. ولكن تبقى الأمور سائرة على حالها دون تغيير، تبقى الأعراس والقاعات مُستمرّة ما دام ليس هناك أي بديل. وكنا قد اقترحنا سابقاً بناء قاعة للأفراح تكون ملكاً لكل أبناء البلدة، بحيث تقوم لجنة الوقف بتقديم قطعة أرض يتم البناء عليها، ولكن لا استجابة من أصحاب الشأن... فقط منع وقرارات؟!
وقبل أكثر من سنتين قام " مركز فاتح المُدرّس للفنون والثقافة " بإرسال عدة طلبات خطية للجنة الوقف ليقترح عليها تخصيص قطعة أرض من مشاع وقف مجدل شمس بهدف إقامة حديقة عامة عليها تكون بمثابة رئة يتنفس فيها أطفال البلدة وأهاليهم ويلهون فيها بدل تجوالهم في السيارات ليلاً في طول البلد وعرضها. ثم اتصلنا بعدد من أعضاء اللجنة ومنهم السيدان كامل الحلبي وحافظ محمود ورئيس اللجنة الشيخ حسن علم الدين طاهر عدة مرات لمجرد أن يجتمعوا فقط مع مُمثلي المركز لمناقشة الاقتراح لكنهم لم يستجيبوا؟! إضافة لأنهم بما يخص مشروع توزيع الأراضي، ومنذ عدة سنوات لا نسمع منهم سوى خطابات وبيانات تذكرنا ببيانات الجامعة العربية. مع تقديري لصعوبة الموضوع وطرائق حلّه، ولكن المطلوب الوضوح والشفافية فيما يجري من أمور تخص الناس جميعاً وهي تنتظر.
إنني لأعجب فعلاً من هيئة دينية تريد فرض وصايتها وقراراتها على المجتمع دون أن تشعر بأي واجبٍ تجاههم، ودون أن تُقدّم لهم أية مشاريع أو بدائل ضرورية وملحة لهم وهي في الأساس من حقهم. وأعجب أكثر كونهم يرفضون حتى الحوار والنقاش؟!
أدعو جميع المعنيين بالأمر من رجال الدين الأفاضل وسواهم من الشرائح الأخرى وأخصُّ بالذكر جيل الشباب إناثاً وذكوراً أن يتداعوا للقاءات مباشرة تتم فيها مناقشة كافة الأمور التي تعني بالنهاية كافة المجتمع دون استثناء. وأعتقد أن تجربة رجال الدين في لبنان حرية بالاقتداء، فهناك تقوم الهيئة الدينية وبشكل دوري بدعوة الأجيال الشابة إلى"الخلوات" للنقاش والحوار في شتى مسائل الحياة الدينية والدنيوية، وبهذا الأسلوب فقط ممكن معالجة الأمور والتقدّم فيها بدل الاستمرار بتوسيع الفجوة وزيادة الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد. وهذا بتقديري لا يرضي أحداً.

باحترام
وهيب أيوب
22\ 8\ 2008


عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا